علامات المجىء الثانى … القس افرايم سمير

 العلامات التي تسبق المجيء الثاني

سوف نعرض لسبع علامات بارزة تسبق المجيء الثاني للسيد المسيح، ثم نأتي بعد ذلك إلى أحداث المجيء الثاني نفسها؛ وهي تتضمن أيضًا علامات أخرى تصاحب هذا المجيء وتميزه عن أي مجيء آخر مزعوم مثل ما يدّعيه الأدفنتست وشهود يهوه. ومن العلامات التي تسبق المجيء الثاني ما يلي:

أولًا: انتشار الإنجيل في كل العالم

قال السيد المسيح: “ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم. ثم يأتي المنتهى” (مت24: 14). ونستطيع أن نقول إن هذا قد تحقق في قارات العالم، ولنا الآن كنائس في أفريقيا وفي أمريكا الجنوبية وكل أنحاء أستراليا إلى جوار الكنائس المنتشرة في باقي أنحاء العالم، وإلى جوار الكنائس الشقيقة القديمة والكنائس التي انتشرت قبل عصر الانشقاق مثل كنائس أوروبا وآسيا وغيرها.

ومن الأمور الجميلة أيضًا أن طقوس الكنيسة القبطية قد تُرجمت إلى لغات عديدة حتى لغات الكوسا والزولو في أفريقيا. وبلا شك إلى لغات الشعوب التي توجد فيها لنا كنائس مثل بحر الكاريبي وغيرها. هذا إلى جوار أن الكنائس التي أسستها الكنيسة القبطية قديمًا في أفريقيا في إريتريا والحبشة قد استخدمت اللغة التجرينية ولغة الجيئز إلى جوار اللغة الأمهرية.

يضاف إلى ذلك أن كتابات قداسة البابا شنودة الثالث قد تُرجمت إلى كثير من لغات العالم المعاصر مثلما تُرجمت كتابات الآباء الأولين أمثال القديسين أثناسيوس الرسولي وكيرلس عامود الدين.

وتحقق في انتشار الإنجيل بهذه الصورة كلام السيد المسيح الذي أشرنا إليه وتحققت النبوة الواردة في سفر المزامير والتي ذكرها معلمنا بولس الرسول: “إلى جميع الأرض خرج صوتهم وإلى أقاصي المسكونة أقوالهم” (رو10: 18). ولكن هناك علامات أخرى وردت في كتاب العهد الجديد لا يمكننا أن نقول إنها تحققت بعد، لذلك نستكمل باقي العلامات التي تسبق المجيء الثاني.

ثانيًا: إيمان اليهود

لقد رفضت الأمة اليهودية -من الناحية الرسمية- السيد المسيح وأسلمته إلى الرومان مطالبة بصلبه. لذلك قال القديس يوحنا الإنجيلي “إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله” (يو1: 11)

وقال اليهود وقت صدور الحكم على السيد المسيح بالصلب: “دمه علينا وعلى أولادنا” (مت 27: 25). استمرت أجيال الأمة اليهودية تتحمل وزر صلب السيد المسيح إلى يومنا هذا. وزادوا في غيّهم وشرّدوا سكان الأراضي المقدسة من ديارهم، سفكوا دماءً كثيرة ومازالوا يصارعون من أجل مملكة أرضية رفضها السيد المسيح ومن أجل هيكل قال عنه السيد المسيح إنه لا يترك فيه “حجر على حجر لا ينقض” (مت24: 2، مر13: 2، لو21: 6).

إنهم يبكون عند حائط المبكى (وهو من بقايا سور هيرودس) لا على خطية صلبهم للسيد المسيح، ولكن على مجدهم الذي فقدوه. ولم يكتشفوا أن غضب الرب عليهم وهدم الهيكل وتشريدهم في الأرض قرابة ألفيّ عام، وتوقفهم عن تقديم الذبائح كان بسبب نهاية العهد القديم ولسبب صلبهم للسيد المسيح وهو الذبيحة الحقيقية التي أبطلت كل الذبائح القديمة.

إن إيمان اليهود سيحل كثيرًا من المشاكل الدينية والسياسية الناشئة عن رفضهم الاعتراف بيسوع أنه هو المسيح. ولنا في شهادة الكتب المقدسة في العهدين القديم والجديد ما يوضح أنهم سوف يؤمنون قبل نهاية العالم.

في نبوة هوشع النبي يقول: “لأن بني إسرائيل سيقعدون أيامًا كثيرة بلا ملك وبلا رئيس وبلا ذبيحة.. بعد ذلك يعود بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب وإلى جوده في آخر الأيام” (هو3: 4، 5). والمقصود بداود هو المسيح لأن داود كان قد مات وقتما كتب هوشع نبوته.

وفي رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل رومية يقول “فإني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا هذا السر، لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء. أن القساوة قد حصلت جزئيًا لإسرائيل إلى أن يدخل مِلؤُ الأمم. وهكذا سيخلص جميع إسرائيل” (رو11: 25، 26).

ثالثًا: النهضة الروحية

 أشار القديس بولس الرسول إلى النهضة الروحية التي ستصاحب توبة اليهود وإيمانهم بالمسيح وانتهاء النزاعات بينهم وبين الآخرين فقال: “إن كان رفضهم هو مصالحة العالم، فماذا يكون اقتبالهم إلا حياة من الأموات” (رو11: 15).

ما هذه الحياة من الأموات التي ستصاحب إيمان اليهود إلا نهضة روحية تعم العالم المسيحي وتدعو الجميع إلى التوبة. والقديس بولس يقصد هنا أن رفض اليهود للمسيح قد أدى إلى اتجاه الرسل إلى الكرازة بالإنجيل للأمم الذين كان لا علاقة لهم بإبراهيم وإسحق ويعقوب وفي هذا خير كبير للأمم فكم بالحري يكون قبولهم للمسيح إلا مزيد من الخير لهذه الأمم.

رابعًا: ظهور الوحش

في الأيام الأخيرة سيُحَل الشيطان من سجنه كقول الكتاب “ثم متى تمت الألف السنة يُحل الشيطان من سجنه، ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض” (رؤ20: 7، 8). وكان الشيطان قد تم تقييده حينما صنع السيد المسيح الفداء لمدة ألف سنة. ورقم ألف سنة يشير إلى زمن طويل وليس إلى حرفية الرقم لأن الفداء قد تم منذ ما يقرب من ألفيّ سنة. وقد ذكر الكتاب تقييد الشيطان كما يلي: “ورأيت ملاكًا نازلًا من السماء معه مفتاح الهاوية، وسلسلة عظيمة على يده. فقبض على التنين، الحية القديمة، الذي هو إبليس والشيطان، وقيده ألف سنة، وطرحه في الهاوية وأغلق عليه، وختم عليه لكي لا يضل الأمم في ما بعد، حتى تتم الألف السنة. وبعد ذلك لابد أن يُحل زمانًا يسيرًا” (رؤ20: 1-3).

عن هذه الفترة القصيرة التي سيُحَل فيها الشيطان من سجنه قبل نهاية العالم قيل في الكتاب “ويل لساكني الأرض والبحر، لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم، عالمًا أن له زمانًا قليلًا” (رؤ12: 12).

معنى ذلك أنه قبل نهاية العالم بفترة قصيرة نسبيًا سوف ينال الشيطان قدرة على فعل الضلال بصورة أقوى بكثير من سابقتها، بعد أن قيده السيد المسيح بعملية الفداء. وأبرز ما ذكره الكتاب من حيل الضلال التي سوف يأتي بها الشيطان هو ظهور الوحش الذي هو إنسان، سوف يكون مجيئه بعمل الشيطان ومعه قدرات كبيرة لصنع معجزات كاذبة مدّعيًا أنه هو الإله الحقيقي والمسيح الحقيقي الذي انتظر اليهود مجيئه من قبل. وهنا يبدأ عصر الارتداد مع أناس غير الذين آمنوا ونالوا الخلاص حسب قول معلمنا بولس الرسول: “وهكذا سيخلص جميع إسرائيل” (رو11: 26).

أما مرحلة الارتداد التي تسبق مجيء السيد المسيح فقال عنها: “لا يأتي (يقصد المسيح) إن لم يأتِ الارتداد أولًا ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا، حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنه إله.. الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة، وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم، في الهالكين، لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا. ولأجل هذا سيُرسل إليهم الله عمل الضلال، حتى يصدِّقوا الكذب، لكي يدان جميع الذين لم يصدّقوا الحق بل سُرّوا بالإثم” (2تس2: 3، 4، 9-12).

خامسًا: الارتداد العام

نتيجة ظهور الوحش والعجائب التي سيجريها بقوة الشيطان فإنه سيضل الساكنين على الأرض حتى يصدقوا أنه هو المسيح “ويصنع آيات عظيمة، حتى إنه يجعل نارًا تنزل من السماء على الأرض قدام الناس، ويضل الساكنين على الأرض بالآيات التي أعطى أن يصنعها” (رؤ13: 13، 14)

لهذا قال السيد المسيح محذرًا: “إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا” (مت24: 23).

ولكن للأسف سيتبع كثيرون تهلكات الوحش، ويعبدونه كما هو مكتوب “وأعطي أن يعطي روحًا لصورة الوحش، حتى تتكلم صورة الوحش، ويجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش يُقتلون. ويجعل الجميع: الصغار والكبار، والأغنياء والفقراء، والأحرار والعبيد، تصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم، وأن لا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع، إلا من له السمة أو اسم الوحش أو عدد اسمه” (رؤ13: 15-17).

في فترة الارتداد العام سيحدث اضطهاد عظيم على الكنيسة، أي على كل جماعة القديسين، ويقتل الوحش كثيرين منهم. ويرسل الله النبيين أخنوخ وإيليا لمساعدة الكنيسة في صراعها ضد الوحش.

سادسًا: عودة أخنوخ وإيليا إلى الأرض

جاء ذلك في سفر الرؤيا إذ قال الرب: “وسأعطي لشاهديَّ فيتنبآن ألفًا ومئتين وستين يومًا لابسين مسوحًا. هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض. وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما فهكذا لابد أنه يقتل. هذان لهما السلطان أن يُغلقا السماء حتى لا تمطر مطرًا في أيام نبوتهما ولهما سلطان على المياه أن يحولاها إلى دم وأن يضربا الأرض بكل ضربة كلما أرادا. ومتى تمما شهادتهما فالوحش الصاعد من الهاوية سيصنع معهما حربًا ويغلبهما ويقتلهما. وتكون جثتاهما على شارع المدينة العظيمة التي تدعى روحيًا سدوم ومصر حيث صلب ربنا أيضًا” (رؤ11: 3-8).

من المنطقي طبعًا أن يكون بقاء أخنوخ وإيليا في السماء أحياء حتى الآن هو لغرض الشهادة للمسيح في مرحلة حساسة من تاريخ الكنيسة. ومن المنطقي أن ينالا إكليل الشهادة لأنه قد “وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة” (عب9: 27). ومن الطبيعي أن تتحقق نبوة ملاخي النبي الذي كتب قول الرب: “هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف” (ملا4: 5).

فكما جاء يوحنا المعمدان متقدمًا أمام الرب في مجيئه الأول بروح إيليا وقوته ثم صار شهيدًا للحق، هكذا سيأتي إيليا نفسه متقدمًا أمام الرب في مجيئه الثاني المهوب والمخوف ويصير شهيدًا مع أخنوخ.

لم يكن يوحنا المعمدان هو إيليا شخصيًا بل يرمز إلى إيليا وقد جاء بنفس القوة الروحية التي لإيليا ونفس الأسلوب.

أما إيليا نفسه فقد ظهر مع السيد المسيح في مجد على جبل التجلي مع موسى النبي وكانا يكلمانه عن الخلاص الذي كان عتيدًا أن يصنعه في أورشليم.

ولو كان يوحنا المعمدان هو نفسه إيليا في تجسد جديد كما يدّعي أصحاب بدعة “عودة التجسد” Reincarnation لظهر يوحنا المعمدان على جبل التجلي وليس إيليا على اعتبار أنه هو آخر صورة يكون قد تجسد فيها. ولكن المسيحية المستقيمة الرأي ترفض هذه البدعة تمامًا.

سابعًا: الضيق العظيم

سأل التلاميذ السيد المسيح على انفراد قائلين: “قل لنا متى يكون هذا؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟” (مت24: 3). فأجابهم السيد المسيح قائلًا لهم: “انظروا. لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح! ويضلون كثيرين. وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب. انظروا لا ترتاعوا. لأنه لابد أن تكون هذه كلها، ولكن ليس المنتهى بعد. لأنه تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن. ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع” (مت24: 4-8).

إن مقدمات نهاية العالم هذه التي تكلّم عنها السيد المسيح ولقّبها بلقب “مبتدأ الأوجاع” لا تنطبق على مرحلة ظهور الوحش الذي سيدّعي أيضًا أنه هو المسيح ويضل غالبية العالم في موجة الارتداد العام التي قال عنها بولس الرسول “لا يأتي (يقصد السيد المسيح) إن لم يأت الارتداد أولًا ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك” (2تس2: 3).

في مبتدأ الأوجاع سوف يظهر أنبياء كذبة ناسبين إلى أنفسهم اسم المسيح، وسوف تحدث اضطهادات على الكنيسة ولكن ليس المنتهى بعد.

كذلك الحروب والزلازل والأوبئة لا تعني أن نهاية العالم قد أتت لأن النهاية لها مواصفات أخرى تحدّث عنها السيد المسيح وسوف تظهر هذه الأمور بعد تحقق المراحل الخمسة السابقة التي تحدثنا عنها. أما المرحلة السادسة فهي ضمن الأحداث التي تصاحب نهاية العالم أثناء الضيق العظيم.

الضيق العظيم قال عنه السيد المسيح: “لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون” (مت24: 21).

وأكمل السيد المسيح كلامه قائلًا: “ولو لم تقصّر تلك الأيام لم يخلص جسد. ولكن لأجل المختارين تقصّر تلك الأيام” (مت24: 22).

إذن من مواصفات المرحلة الأخيرة التي تسبق مجيء السيد المسيح أن الضيق الذي فيها لا يشابه ما سبق من ضيقات. فمثلًا عبرت على الكنيسة ضيقات شديدة في العصر الرسولي وما بعده، واضطهد اليهود ومن بعدهم الأباطرة الوثنيون الآباء الرسل ومن جاءوا بعدهم حتى سال الدم أنهارًا في عصور الاستشهاد في أنحاء كثيرة من العالم مثل مصر وأورشليم وأنطاكية وروما وأرمينيا والهند. في تلك الآونة استشهد مارجرجس والقديس مرقوريوس والقديسة دميانة مع راهباتها الأربعين والقديس مارمينا والقديسة كاترينا والقديس أبانوب وكثير من القديسين والقديسات ومن قبلهم القديس اسطفانوس وأحد عشر رسولًا والقديس بولس الرسول.. كان المسيحيون أحيانًا يُساقون إلى ساحات الاستشهاد ليكونوا طعامًا للأسود الجائعة ويعذَّبون بالحديد المُحَمَّى في النار وسائر أنواع العذاب التي تقشعر لها الأبدان.

وسوف تتكرر هذه الأمور قبل نهاية العالم، ولكن كل هذا وذاك لا يُقارن بالضيق العظيم الذي تكلم عنه السيد المسيح والذي لم يكن مثله منذ ابتداء العالم.

إن الوحش حينما يأتي لن يستطيع أحد أن يقهر سلطانه المدمر إلا بظهور السيد المسيح نفسه ولا يوجد حل للشر إلا أن يلقى في الظلمة الخارجية والدينونة الأبدية في جهنم. ولا يمكن إبطال شر الوحش ومن يقويه إلا بظهور مخلصنا يسوع المسيح.

سوف يعرف الجميع أنه بدون المسيح لا يمكن أن يخلص جسد “لو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد” (مت24: 22).

فلا ينبغي أن نفزع من الحديث عن نهاية العالم لأن هناك علامات لم تتحقق بعد سوف تسبق الضيق العظيم. وحتى أحباء الرب الذين سوف يعايشون الأيام الأخيرة، لاشك أن الرب سوف يؤازرهم لكي لا يهلك المختارون. لأن الرب وعد وقال عن خرافه: “أنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي” (يو10: 28).

علينا فقط أن نحيا في التوبة والاستعداد طالبين سرعة مجيئه، حتى ولو كان المنتهى لم يأتِ بعد ولكن هناك أشواقًا في قلوب القديسين نحو استعلان ملكوت السماوات. وهذا الاشتياق موجود في قلوب حتى الذين رقدوا على رجاء القيامة.