توبة الأبن الضال… القمص بيشوى راغب

توبة الأبن الضال
( لو 11:15-32 )

آية التأمل: “فرجع إلى نفسه وقال كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعاً” (لو17:15)

مقدمة: الأحد الثالث من الصوم الكبير سُمى بأحد الإبن الضال أو الأبن الشاطر. وقد سُمى بالضال لأنه ضل طريقه وفقد صوابه وكان جاهلاً فى طلبه، وسُمى بالشاطر لأنه شطر الميراث الذى لأبيه شطرين وأيضاً لأنه رجع وتاب ويعتبر رجوعه نوعاً من الشطارة والمهارة لأنه رجع لنفسه وصوابه وبيت أبيه.

وسوف نتأمل فى مثل الأبن الضال الذى هو لؤلؤة اللألىء ودرة الدرر.

أولاً: ميراث وحرية

إنسان كان له ابنان فقال أصغرهما لأبيه يا أبى أعطنى القسم الذى هو نصيبى فى المال فقسم له معيشته. أبونا السماوى غنى ومحب وطيب القلب، وحينما تطلب منه لا يمكن أن يرفض بل يعطى بسخاء ولا يُعير واليوم طلب الابن الضال نصيبه فى الميراث فلم يرفض طلبه مع أنه طلب غير شرعى مادام الأب حياً ولكن لأجل الحب الأبوى أعطاه نصيبه وأعطاه حرية التصرف فقد طلب الابن الأصغر الشاب أن يخرج من بيت أبيه طمعاً فى الحرية التى وعدته بها الخطية.

إن الحرية التى تقدمها الخطية تشبه قطرات الندى التى تتبخر عاجلاً فسرعان ما تنقلب الحرية التى وعدته بها الخطية إلى عبودية فى النهاية وسرعان ما يتجرع كؤوس المرارة والحرمان.

إن الحرية التى تقدمها الخطية هى خيوط حريرية سرعان ما تنقطع وتصبح قيود حديدية.

لقد أعطانا الآب السماوى خلاصاً عظيماً، وأعطانا وسائط نعمة، وأعطانا خيرات ونعم وبركات كثيرة وقال لنا اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تُزاد لكم. ولكن للأسف الشديد تحت ستار الحرية نهمل خلاصنا ونتهاون فى وسائط النعمة ونستغل الحرية التى أعطاها لنا الله فى ضياع أنفسنا وضلال الطريق. ليتنا نحافظ على ميراثنا فهو ميراث أبدى، وليتنا نستغل حريتنا لخلاص نفوسنا ونجاتها من الموت الأبدى.

ثانياً: ضلال وعبودية

جمع الإبن كل شىء وسافر إلى كورة بعيدة وهناك بذر ماله بعيشٍ مُسرف وكان يشتهى أن يملأ بطنه من الخرنوب الذى كانت تأكله الخنازير فلم يُعطه أحد. السفر هنا يشير إلى خروج الإنسان عن طاعة الله والسفر فى طريق الخطية والإنجراف مع تيارات العالم والجرى وراء الشهوة والرذيلة، وهنا يصبح الإنسان الضال عبداً يحمل نير العبودية لأنه لم يحافظ على ميراث أبيه.

مسكين هذا الإنسان الذى منحه الرب ميراثاً ويهمله ويصبح عبداً لشهواته تحت اسم الحرية.

نداء إلى الأباء والأمهات انقذوا أولادكم من الحرية المزيفة، فأنتم تعطوهم حرية تقيدون بها أنفسهم فى يد إبليس. فلينقذ الرب كل ضال وليرجع كل تائه إلى بيت أبيه السماوى لا يشتهى الخرنوب بل ليأكل الشهد ويتحرر من نير العبودية وينعم بحرية مجد أولاد الله.

ثالثاً: رجوع وعطية

فرجع إلى نفسه وقال كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز وأنا هنا أهلك جوعاً، أقوم واذهب إلى أبى وأقول أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً أن أُدعى لك ابناً. اجعلنى كأحد أجراءك. فقام وجاء إلى أبيه (لو17:15-20). وياللعجب لمحبة وحنان وعطف الله على أولاده. وإذ كان لم يزل بعيداً رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله. ولما أعترف الابن بما أخطأ قال الأب لعبيده أخرجوا الحلة الأولى والبسوه، واجعلوا خاتماً فى يده وحذاءً فى رجليه وقدموا العجل المسمن وأذبحوه فنأكل ونفرح لأن ابنى هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد (لو22:15-24)

ما أجملها فرحة عندما يرجع الإنسان عن طريق ضلاله ويرجع إلى نفسه ويحاسبها ويتوب ويعترف أمام الله والكنيسة ممارساً أسرارها المقدسة التى عن طريقها يلبس الحُلة الأولى أى يلبس ثوب البر والطهارة الذى فقده، ويوضع الخاتم الملكى فى يده رمز البنوة والشرف والسلطان. والحذاء فى رجليه للسلوك فى الحياة الجديدة المستقيمة .. حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام.

وليعرف الجميع أننا أولاد الله ملك الملوك ورجوعنا إليه يجعل السماء فرحة والكنيسة متهللة بالضال الذى وجِد وحصل على العطايا الإلهية.

هلموا أيها الأخوة الأحباء أن نفرح قلب الآب بتوبتنا ورجوعنا إليه. كفانا غربة وذل الكورة البعيدة لنتمتع بأحضان الآب وذبيحة ابنه يسوع المسيح وفرح السمائيين الذى لا يوصف.