عيد الصليب
تقديم: المسيحية والصليب أمران متلازمان، وصنوان لا يفترقان.. فأينما وحينما يرى الصليب مرفوعا أو معلقا، يدرك المرء أنه أمام مؤسسة مسيحية أو مؤمنين مسيحيين .. ولا عجب فالصليب هو شعار المسيحية، بل هو قلبها وعمقها …
لقد تأسست المسيحية على أساس الصليب وبالصليب.. ولا نقصد بالصليب قطعتي الخشب أو المعدن المتعامدتين، بل نقصد الرب يسوع الذي علق ومات على الصليب عن حياة البشر جميعا، والخلاص الذي أتمه، وما صحبه من بركات مجانية، نعم بها البشر قديما، وما زالوا ينعمون، وحتى نهاية الدهر …
والفكرة الشائعة عن الصليب أنه رمز للضيق والألم والمشقة والاحتمال.. لكن للصليب وجهين: وجه يعبر عن الفرح، ووجه يعبر عن الألم. ونقصد بالأول ما يتصل بقوة قيامة المسيح ونصرته.. ونقصد بالثاني مواجهة الإنسان للضيقات والمشقات.. ويلزم المؤمن في حياته أن يعيش الوجهين، ويختبر الحياتين …
بالنسبة للمؤمن المسيحي، فإن الصليب بهذه المفاهيم، هو حياته وقوته وفضيلته ونصرته.. عليه يبنى إيمانه، وبقوة من صلب عليه يتشدد وسط الضيقات وما أكثرها.. هذا ما عناه القديس بولس الرسول بقولـه:” ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب، مستهينا بالخزي.. فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم” (عب 12: 2، 3).
ملايين المؤمنين في انحاء العالم عبر الأجيال حملوا الصليب بحب وفرح، وأكملوا مسيرة طريق الجلجثة، فاستأهلوا أفراح القيامة …
هذا بينما عثر البعض في الصليب، وآخرون رفضوا حمله، فألقوه عنهم..
ولم يكن مسلك هؤلاء وأولئك سوى موتا إيمانيا وروحيا لهم” نحن نكرز بالمسيح مصلوبا، لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. وأما للمدعوين يهودا ويونانيين، فبالمسيح قوة الله وحكمة الله” (1 كو 1: 23، 24).
لماذا الصليب؟
صليب المسيح هو محور المسيحية وقلبها وعمقها.. حوله يدور كل فكر العهد الجديد، وفيه يرتكز كل غنى الإنجيل ومجده.. إنه رمز المسيحية وشعارها ومجدها.. هكذا نفهم كلمات القديس بولس الرسول
” إن كلمة الصليب عند العالكين جهالة ، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله”
(1 كو 1: 18)
إن الصليب يستمد قوته وكرامته من السيد المسيح الذي علق عليه.. وحينما نتحدث عن الصليب فإنما نشير حتما إلى موت المسيح
وحينما نذكر موت المسيح فواضح أن صليبه وارد أيضا فيه.. لذا فلا غرابة إن رأينا أسفار العهد الجديد المقدسة تمتلئ بالكلام عن موت المسيح وبالتالي عن الصليب.
كان الصليب ومن صلب عليه هو جوهر كرازة الكنيسة الأولى، وهو الحق الأول والأساس في الإيمان المسيحي.. ولعل كلمات بولس الرسول لمؤمني كورنثوس تظهر لنا هذا المعنى..” فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضا. إن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنه دفن وانه قام في اليوم الثالث حسب الكتب (1 كو 15: 3، 4 )
وكيف صار الصليب – وهو رمز قديم لوحشية الإنسان – ذا تأثير حضاري واسع، استطاع أن يغير وجه العالم حينما جدد الخليقة؟
كيف حملت الكنيسة الصليب
هناك مفاهيم كثيرة يمكن أن تدخل تحت عنوان” الكنيسة والصليب”.. هلى هو موضوع يصف حقبة من حياة الكنيسة مضت وانتهت، أم هو موضوع الحاضر المعاصر … إن المعنى يشمل الأمرين معا! الحاضر على ضوء الماضي.. وما نعنيه هو” كيف حملت الكنيسة الصليب”؟ كيف أحبته فاحتضنته.. كيف تعاملت معه، وكيف حملته.. كيف تصرفت إزاء الضيقات، وكل قوى الشر التي تصدت لها في العالم.. كيف عاونت كل ابن من أبنائها، وكل عضو فيها على حمل الصليب.. كيف صارت شاهدة للصليب وسط عالم وضع فى الشرير.. ونود أن ننبه قبل الخوض في الموضوع أن كل ما ينطبق على الكنيسة، ينطبق على كل عضو فيها …
من أين نبدأ موضوعنا…؟ نستعرض الصورة التي أسس بها المسيح كنيسته
مواصفات هذه الكنيسة
أ – حملان بين ذئاب: في إرسالية السبعين رسولا التدريبية، حينما أرسلهم الرب يسوع أثنين أثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعا أن يأتي، قال لهم” اذهبوا، ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب (لوقا 10: 3 )
ب – متجردة من المقتنيات
لا تقتنوا ذهبا ولا فضةولا نحاسا في مناطقكم، ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا عصا” (متى 10: 9، 10)
لا تحملوا شيئا للطريق (لوقا 9: 3 )
وحينما نمتلك المسيح فنحن نملك كل شيء.. وحينما عاشت الكنيسة أمينة لتعاليم الرب ووصاياه، كان هو أمينا معها في إتمام مواعيده. وهكذا كانت تجرى المعجزات باسم الرب يسوع.. وحينما تركت الكنيسة عنها وصية مخلصها، فقدت السلطان أن تصنع باسمه الآيات والمعجزات
جـ – مشابهة لصورة ابن الله
يصف القديس بولس الرسول أولئك الذين يحبون الله المدعوين حسب قصده أنهم” مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين” (رومية 8: 29) … وأحد أوجه الشبه مع ابن الله هو الألم … يتنبأ إشعياء النبي عن السيد المسيح فيقول عنه أنه:
رجل أوجاع ومختبر الحزن (إش 53: 3) … هذه صفة أصيلة في المسيح المخلص. فالمسيح لم ير يوما ضاحكا، لكنه شوهد باكيا عند قبر لعازر (يو 11: 35).. وقبيل آلامه على الصليب، كان محصورا فيما كان عتيدا أن يكمله، وسمع يقول
” نفسى حزينة جدا حتى الموت (مر 14: 34) … فلقد تجسد ابن الله من أجل فداء البشر ، والفداء استلزم الألم والصليب … وإن كان المسيح قد تألم ، فليس التلميذ أفضل من معلمه ، ولا العبد أفضل من سيده (متى 10: 24 )
الصليب في حياة المسيح
إن كان إشعياء النبي قد تنبأ عن المسيح أنه رجل أوجاع ومختبر الحزن (إش 53: 3)، فإن هذه الآلام والأحزان لم تبدأ في جثيمانى، بل بدأت منذ ولادته بالجسد …
لقد ولد الطفل يسوع وهو يحتضن الصليب، وظل يحتضنه في حب ويحمله حتى علق عليه عند الجلجثة.. ونحن وإن كنا نجهل معظم حياة الرب يسوع بالجسد حتى بدأ خدمته الكرازية في سن الثلاثين، لكننا نستطيع أن نتبين ملامح الصليب ونراها من خلال بعض المواقف …
نرى الصليب في مولده، حينما ولد في مذود للبهائم إذ لم يكن ليوسف ومريم موضع في قرية بيت لحم (لو 2: 7) … نراه في مذبحة أطفال بيت لحم (متى 2: 16، 17) … وفى الهرب إلى مصر طفلا والتغرب بين ربوعها حتى مات هيرودس الملك الطاغية الذى كان يطلب نفس الصبى ليقتله (متى 2: 14، 20 )
ويلخص بطرس الرسول مسلك المسيح واحتماله الآلام بقولـه” لأنكم لهذا دعيتم، فإن المسيح أيضا تألم لأجلنا، تاركا لنا مثالا لكي تتبعوا خطواته.. الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر” (بطرس الأولى 2: 21، 22)
قال رب المجد يسوع:” إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني” (متى 16: 24) وإن كان المسيح قد دعانا أن ننكر ذواتنا، فلقد أنكر هو نفسه وأخفى لاهوته في بعض المواقف
فلقد أنكر نفسه حاملا الصليب حينما تقدم إلى يوحنا المعمدان كأحد الخطاة ليعتمد منه (متى 3: 13، لوقا 3: 21).. وأنكر نفسه في تجربة إبليس له (متى 4: 1 – 10) … وحينما قدم عظته على الجبل أفتتحها بتطويب المساكين بالروح والحزانى في العالم (متى 5: 3، 4 )
كان المسيح يحتضن الصليب حينما شتم ولم يكن يشتم عوضا، ولا يهدد، بل كان يسلم لمن يقضى بعدل (بط الأولى 2: 23 )
وحين أنكر اليهود بنوته لأبيه السماوي … (يو 6: 42 )
وحين وجه اليهود إليه أقذع شتائمهم أنه سامري وبه شيطان (يو 8: 48)، وأنه لا يخرج الشياطين إلا بقوة بعلزبول رئيس الشياطين (متى 12: 24 )
وحينما أتهمه الفريسيون والكتبة أنه ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت (يو 9: 16، 5: 18 )
وفى غيرها كثير جدا كان المسيح يحتضن الصليب، ما رد اتهاما لقائليه، ولا عاملهم بنفس روحهم
الصــليب في حيــاة السيـدة العـــذراء
ما من شك أن السيدة العذراء قد حملت الصليب منذ طفولتها.. فقد دخلت الهيكل في سن الثالثة من عمرها. وبشرت وحملت بالسيد المسيح في سن مبكرة.. وتحملت نظرات الشك من أقرب الناس إليها – وهو يوسف النجار خطيبها – لقد وردت أول أشاره عن الصليب في حديث سمعان الشيخ إلى السيدة العذراء:” وباركهما سمعان وقال لمريم أمه ها أن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم” (لو 2: 34 )
+ وعند الصليب. كيف تحملت هذه السيدة البارة أهوال ما يحدث حولها ولم تفتح فمها بكلمة واحدة.. ابنها الحبيب يهان ويجلد ويستهزئون به ويذبح.. هل رأينا أعجب من هذا أن يحاكم اليهود شخصا بريئا – بل هو البراءة نفسها ليصلبوه؟!
لا شك أن في داخل السيدة العذراء تصارعت مشاعر كثيرة: مشاعر الأم وهي ترى ابنها يموت هكذا معذبا على الصليب، ومشاعرها كخادمة باذلة وهي ترى ابنها يتمم الفداء للبشرية.. وكأنها كانت عند الصليب لتقوى وتعضد المصلوب على احتمال الألم
ولو تفوهت بكلمة واحدة لتعلن للعالم بأن المصلوب هذا هو ابن الله.. لفشلت قضية الخلاص؟!!
ولكنها آثرت السكوت لمحبتها للبشرية أيضا.. حقا لقد حملت السيدة العذراء صليب آخر.. إنه الصليب الرابع غير المنظور على الجلجثة
الضيقات وحمل الصليب في تعليم المسيح
إن كنا قد رأينا الصليب أو مثال الصليب في حياة المسيح بالجسد، فقد أعلن هو عنه صراحة حينما كان يتكلم عن الضيقات كنصيب مقدس للمؤمنين عليهم أن يحرصوا عليه، وألا يفرطوا فيه من أجل البركة
بعد لقاء المسيح مع الشاب الغنى، الذي دعاه إلى أن يوزع ماله على الفقراء ويحمل الصليب، لكن هذا الكلام لم يرقه فاغتم ومضى حزينا (مرقس 10: 17 – 22)، قال له بطرس” ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك”. فكان جواب الرب عليه” الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتا أو أخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا لأجلى ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتا وأخوة وأخوات وأمهات وأولادا وحقولا مع اضطهادات، وفى الدهر الآتي الحياة الأبدية” (مرقس 10: 28 – 30)
وهنا نلاحظ أن المسيح له المجد يحصى الاضطهادات ضمن البركات التي يعوض بها الإنسان في هذا العالم عن محبته له
أما عن حتمية حمل كل مؤمن للصليب فقال
” من لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني. من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلى يجدها” (متى 10: 38، 39 )
” إن أراد أحد أن يأتي ورائي ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني ، فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك نفسه من أجلى يجدها” (متى 16: 24 ، 25 ، لوقا 9: 23 ، 24 )
” من لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذا” (لو 14: 27 )
الضيقات وحمل الصليب في تعليم الرسل
عاشت الكنيسة الأولى حياة الرب يسوع مشاركة إياه في الآلام والضيقات … وسفر أعمال الرسل الذي يسجل أحداث الكنيسة في تاريخها المبكر، يذكر ما تعرض له رسل المسيح وتلاميذه من ضيقات وشدائد
أما رسائل بولس الرسول فتمتلئ رسائله بالكلام عن الضيقات والآلام وبركاتها والكنوز المدخرة فيها، كانعكاس لخبرته الشخصية وتجربته مع الألم والضيق
ومنذ بداية قصة بولس مع المسيح – بعد اهتدائه قرب مدينة دمشق – قال عنه لحنانيا
سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمى (أع 9: 15، 16 )
وهذا ما اختبره بولس وقاله عن المسيح له المجد” لأنه لاق بذاك الذي من أجل الكل وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام” (عب 2: 10).. كان بولس الرسول طراز عجيب من البشر، فبعدما استعرض عمق محبته لسيده وأن لا شيء يمكن أن يفصله عنه حتى الموت في صوره المختلفة، هتف في (رومية 8: 37)
” ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا”
الصليب والعبادة المسيحية
لماذا يستخدم المسيحيون علامة الصليب؟
منذ نشأة المسيحية استخدم المسيحيون علامة الصليب … هذه حقيقة يؤكدها جميع العلماء والباحثين.. فالصليب وعلامة الصليب تراث تقليدي يتغلغل في حياة المؤمنين بتسليم رسولي..
وتعلم الكنيسة أبناءها المؤمنين أن يرسموا علامة الصليب على ذواتهم عند بدء الصلوات وفى ختامها. عند النوم وحال اليقظة. في دخولهم إلى بيوتهم وخروجهم منها. في أكلهم وشربهم. عند بدء كل عمل، وعند ارتداء ثيابهم.. وبالجملة فإن علامة الصليب تتخلل حياتهم اليومية.. لقد صاحبت كل عمل دينى أو دنيوي في حياة المسيحي من اليقظة في الصباح حتى رقاد النوم في الليل.
فلماذا يرسم المسيحيون علامة الصليب؟
(1) ليبرهنوا على تبعيتهم للمسيح المصلوب. فالصليب هو العلامة المميزة للمؤمنين بالمسيح، المنضمين تحت لوائه، لأنه علامة مخلصهم..
فالصليب سوف يظهر مرة أخرى في السماء كالعلم الذي يتقدم أمام الملك.. وحينئذ ينظر إليه الذين طعنوه والذين استهزأوا به. وإذ يعرفونه (المسيح) من الصليب يندمون حيث لا زمان للتوبة. أما نحن فنفتخر بالصليب ونعظمه عابدين الرب الذي أتى وصلب عليه.
(2) إعلانا لإيمانهم المسيحي وافتخارا بصليب ربنا يسوع المسيح الذى به تم فداؤنا وخلاصنا وانفصالنا عن الشيطان والعالم ، وانطلاقنا من أسر الجحيم وعبودية إبليس” أما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذى به صلب العالم لي وأنا صلبت للعالم” (غلاطية 6: 14 )
(3) إيمانا من المسيحيين بأن جميع بركات العهد الجديد الروحية إنما كانت بفضل صليب مخلصنا
(4) وحين يرسم المؤمنون الصليب على جباههم ، أو حين يرسمه الكهنة على المؤمنين أو على أواني الكنيسة يذكرون كل المعاني التي تشتمل عليها الديانة المسيحية …
فيذكرون عمل المسيح الفادي وخلاصه العظيم، وجميع البركات الخلاصية النابعة من الصليب.. ويذكرون أنهم ليسوا بعد لأنفسهم، بل للذي مات لأجلهم وقام (2 كو 5: 15).. ويذكرون أنهم اشتروا. بدم ثمين، فعليهم أن يمجدوا الله في أرواحهم وفى أجسادهم التي هي له (1 كو 6: 20).. وعندما يذكرون تلك المعاني تضطرم فيهم محبة الله، ويزدادون تعلقا به ورجاء فيه …
تعيد الكنيسة القبطية للصليب المقدس مرتين، الأولى في 17 توت والأخرى في 10 برمهات والعيد الأول هو عيد ظهوره على يد الملكة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين سنة 326م والذي أعد كل شئ لكي تنتقل والدته إلى أورشليم باحثة عن مكان القبر المقدس، وقد بحثت كثيراً عنه وعثرت عليه بمعونة الله بعد أن ضيقت على شيخ يهودي بالتعب والجوع.
ويذكر المؤرخ الكنسي سقراط (380-450م) أن السبب في اختفاء المكان هو سبب تغطيته بالتراب على شبه هضبة أقيم فوقها هيكل وثني لفينوس فقد أمرت الملكة بهدمه ورفع الأتربة من فوقه فوجدت ثلاثة صلبان على رمية حجر من مكان القبر المقدس وقد وجدت صليب الرب وعليه العنوان الذي كتبه بيلاطس وللتأكد اختبرته في عمل معجزة عجيبة فبنت كنيسة أسمتها أورشليم الجديدة (سميت بكنيسة القيامة بعد ذلك) ووضعت فيها علامة الصليب.
والجدير بالذكر أن الملكة هيلانة وجدت في القبر المقدس المسامير التي سُمرت بها يد المخلص وأرسلتها إلى ابنها الذي ثبت مسماراً منها على الخوذة الملكية التي يخوض بها المعارك هذا ما يفسر تقليد الملوك بعد ذلك في وضع قطعة حديد على هيئة مسمار في خوذاتهم وتيجانهم. ومن المعروف أن الملك قسطنطين أمر بتوزيع قطع من خشبة الصليب إلى كافة كنائس العالم وقتئذ، وقد احتفظت كنيسة روما بقطعة كبيرة منه.
وقد ظلت خشبة الصليب موجودة في كنيسة القيامة إلى أن غزا الفرس الأراضي المقدسة واستولى خسروا الثاني ملك الفرس سنة 614م. على التابوت الفضي الذي يحوي الصليب المقدس وعندما مد أحد أمراؤه إلى التابوت الذي كان يسطع منه نور ومضت منه نار ساطعة أحرقت أصابعه وأمام دهشته قصوا عليه حقيقة أمره وإنه لا يستطيع أن يمسه إلا المسيحي فقد أُجزل العطاء لشماسين ليحملا هذه القطعة إلى بلاده
ولما انتصر الإمبراطور هرقل على الفرس بحث عن قطعة الصليب المسروقة فلم يعثر عليها لأن الأمير أمر أن يحفر الشماسين حفرة في بستانه ويضعوا فيها علامة الصليب وبعد ذلك قتلهما ورأت ذلك إحدى سباياه وهي ابنة أحد الكهنة وكانت تتطلع من طاقة بطريق الصدفة فأسرعت بإخبار الإمبراطور هرقل الذي أعاد خشبة الصليب إلى مكانها سنة 629م. وهذا هو العيد الثاني للصليب المقدس الموافق 10 برمهات