رحلة العائلة المقدسة في زيارتها إلى مدينة الزقازيق

“إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ.” (متى 2 :3)

بعد ولادة الطفل يسوع في مدينة بيت لحم وزيارة المجوس له حيث قدموا له هدايا ذهب ولبان ومر، أوحي لهم بأن يرجعوا من طريق آخر حتى لا يرشدوا هيرودس الملك على طريق الصبي الملكي.

حينئذ أمر هيرودس بقتل جميع أطفال بيت لحم من سن سنتين فأقل، وهنا ظهر ملاك الرب ليوسف في حلم ليهرب إلى مصر من بطش هيرودس.

بدأت الرحلة من بيت لحم إلى العريش ثم الفرما (بورسعيد حالياً) ومنها إلى بسطا (الزقازيق حالياً)، وهي أول مدينة عامرة بالسكان في مصر لذلك تم اتخاذ يوم 24 بشنس يوم دخول العائلة المقدسة إلى بوبسطة هو عيد دخول العائلة المقدسة إلى مصر.

مدينة بوباستيس
اسم بوباستيس باللغة المصرية هي Pr-Bȝst.t ، وتُنطق تقليديًا بير باست وهي عبارة عن اسم مركب من اللغة المصرية وهو “منزل” واسم الإلهة باستيت ؛ وبالتالي فإن العبارة تعني “بيت باست.

. بوباستس بمثابة عاصمة نوم أم خنت، لمصر الوجه البحري كانت بوباستيس تقع جنوب غرب تانيس، على الجانب الشرقي لفرع نهر النيل. تم تخصيص نوم ومدينة بوباستيس كمدن حربية حدودية لمصر.أصبحت مقرًا ملكيًا بعد أن أصبح شوشنق الأول، أول حاكم ومؤسس الأسرة الثانية والعشرين، فرعونًا في عام 943 قبل الميلاد. كانت بوباستيس أوجها خلال هذه السلالة وأيضاً الأسرة الثالثة والعشرين. تراجعت بعد غزو قمبيز الثاني في 525 قبل الميلاد، والذي كان بداية النهاية للأسرة 26 وبداية الإمبراطورية الأخمينية.

تألفت الأسرة الثانية والعشرون من الملوك المصريين من تسعة ملوك، أو حسب يوسابيوس من ثلاثة ملوك بوباستيين، وخلال فترة حكمهم كانت المدينة واحدة من أهم الأماكن في الدلتا. مباشرة إلى الجنوب من بوباستيس كانت حصص الأراضي التي كافأ بها بسامتيك الأول خدمات مرتزقته الأيونيين والكارانيين ؛ وعلى الجانب الشمالي من المدينة بدأت قناة الفراعنة التي بدأها الفرعون نخو الثاني (لكن لم ينته) للذهاب بين النيل والبحر الأحمر.

وصف هيرودوت لمدينة بوباستيس

“المعابد هناك أكثر اتساعًا وتكلفة من معابد بوباستيس، ولكن لا يوجد أي منها ممتع للغاية. إنه بعد الموضة التالية. باستثناء المدخل، فهو محاط بالمياه: لأن قناتين تتفرعان من النهر، وتمتدان حتى مدخل المعبد: ومع ذلك، لا تختلط أي من القناة بالأخرى، لكن إحداهما تجري على هذا الجانب والأخرى على الذي – التي. يبلغ عرض كل قناة مائة قدم وتنتشر الأشجار على ضفافها. يبلغ ارتفاع البروبيليا ستين قدمًا، وهي مزينة بمنحوتات (ربما نقش بارز) بارتفاع تسعة أقدام، وبصنعة ممتازة. يتم النظر إلى الهيكل في وسط المدينة من جميع الجهات وأنت تتجول ؛ وهذا يأتي من المدينة التي أقيمت، في حين أن الهيكل نفسه لم يتحرك، بل بقي في مكانه الأصلي. حول المعبد يوجد جدار مزين بالمنحوتات. داخل العلبة يوجد بستان من الأشجار الطويلة الجميلة، مزروعة حول مبنى كبير فيه تمثال (باست). شكل هذا المعبد مربع، كل جانب عبارة عن ملعب في الطول. يوجد في خط المدخل طريق مبني من الحجر يبلغ طوله حوالي ثلاثة ملاعب، ويؤدي شرقاً عبر السوق العام. يبلغ عرض الطريق حوالي 400 قدم (120 م) ، وتحيط به أكثر من الأشجار العالية. يؤدي إلى معبد هيرميس.”



العائلة المقدسة في بوباستيس

فقد جاء في ميمر البابا ثيؤفيلوس البابا الثالث و العشرين من باباوات الأسكندرية في أواخر القرن الرابع الميلادي، أن وصول العائلة المقدسة إلى بسطة أول قرى مصر كان في اليوم الرابع و العشرين من شهر بشنس المبارك. وهو اليوم الذي تحتفل فيه الكنيسة القبطية بعيد دخول السيد المسيح إلى مصر وهو من الأعياد السيدية الصغرى.

كما ذكر الميمر أيضاً حدوث عدة معجزات صنعها السيد المسيح في هذه المدينة فيقول الميمر :

” حيث جلسوا تحت شجرة خارج المدينة ليستظلوا بها من حرارة الشمس، و أتفق أن عطش الطفل و بعد البحث لم يجدوا ماءً و لا اّبار البتة، الأمر الذي حمل العذراء أن تمضي به إلى المدينة نفسها طلباً للماء و بعد شديد عناءٍ ،لم تجد من يعطيها من سكان تلك القرية.  فرجعت بخفَّى حنين، فتألمت وصارت تبكي و لما رأها يسوع تبكي مسح بيديه الصغيريتين دموعها ثم رسم بإصبعه دائرة على الأرض ففي الحال تفجر نبع ماء حلو كالعسل، أبيض كالثلج، فباركه المسيح”.

كما يذكر المؤرخ ( Bassili, W.F.  )  في وصفه لرحلة العائلة المقدسة نقلاً عن ميمر الأنبا زخارياس أسقف مدينة سخا قائلاً :

” أنه عندما ذهبت العائلة المقدسة إلى بيت كلوم وعندما وصلوا عند الباب اعتذر كلوم للسيدة العذراء مريم قائلاً : إن زوجته لن تكون قادرة على إستقبالهم و الترحيب بهم عند الباب بسبب مرضها و إنها تلازم الفراش منذ أكثر من ثلاث سنوات، عندئذ قال الطفل “لا: سارة زوجتك ليست مريضة ثم نادى عليها باسمها، سارة”.

وعلى الفور نهضت زوجة كلوم من فراشها و تقدمت تجاه الباب ورحبت بالطفل المقدس و السيدة مريم منحنية الرأس، و قد دخلت قبلهم، ولهذا اندهش كلوم و كان في قمة السعادة و قام كلوم و زوجته بخدمة العائلة المقدسة و أرادوا أن يبقوا معهم لعدة أيام في بيتهم لكي يُباركوا بحضورهم”.  ويُقال أن المنزل الذي مكثت فيه السيدة العذراء صار كنيسة في القرن الرابع الميلادي بأسم السيدة العذراء مريم، هذا وصارت بوبسطة كرسي أسقفي في القرن الرابع الميلادي.

ثم يضيف المؤرخ باسيلي إن مكان ترددهم كان المعبد الكبير فقال

” أثناء الحديث أبدت السيدة العذراء رغبتها في زيارة المعبد الرائع للإلهة بسبب مهرجانها الرائع المحتفل بها فيه ،وبعد الظهيرة حملت السيدة العذراء الطفل المقدس وذهبت هي وسارة (زوجة كلوم) إلى العبد وعندما دخلت المعبد مع الطفل يسوع سقطت وتحطمت كل التماثيل الجرانيتية الضخمة الخاصة بالإلهة وأصبح المعبد الضخم كومة من الأطلال الجرانيتية”

هذا حدث تحقيقاً لنبؤة الكتاب المقدس على لسان أشعياء النبي ” فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا”( أش 19 :1). وهذا ما يراه الزائر هذه الأيام إلى مكان المعبد حيث لا يوجد تمثالاً كاملاً ولا عموداً قائماً فقد سقطت جميع الأعمدة والتماثيل أمام السيد المسيح ومازالت ملقاه على الأرض حتى يومنا هذا.

وهنا أنتشر الخبر بين أهل المدينة وراح الكل يتسائل من أين هذا الطفل الذي بدخوله سقطت الأصنام أمامه.. ووصل الخبر إلى الحاكم الذي أمر بالقبض على الأسرة المقدسة، وعرف كولوم بالأمرٍ فنصح الأسرة بالرحيل خوفاً عليهم وعلى سلامة الطفل الإلهي. وفي ظلام الليل خرجت العائلة المقدسة من المدينة مستأنفة رحلتها ونظر الطفل يسوع إلى كولوم قبل رحيله مبتسماً وقال له “بوركت وبورك بيتك وحلت البركة فيه ما دُمت في هذه الحياة، ويخلد أسمي وأسم والدتي على هذا البيت إلى الأبد بسبب قبولك لنا وما صنعته لنا من معروف”.

أحتفالات الإيبارشية بزيارة العائلة المقدسة

أهتم نيافة الحبر الجليل الأنبا تيموثاؤس بضرورة الأحتفال سنوياً بزيارة العائلة المقدسة ليس فقط احتفالاً طقسيا كعيد من الأعياد السيدية الصغرى بل  أيضاً كعيداً خاصاً للإيبارشية.

وأخرها في عام 2021 قد اقامت المطرانية بالتعاون مع جامعة الزقازيق ومعهد الدراسات القبطية، في إقامة احتفالية كبرى على مدار ثلاثة أيام أولها في مقر مسرح الأنبا رويس بالعباسية يوم الأثنين 31 مايو 2021 بحضور قداسة البابا تواضروس الثاني ولفيف من الأباء الطارنة والأساقفة والمحافظين والوزراء ونواب مجلسي النواب و الشيوخ.


وفي اليوم الثاني تم عمل الأحتفالية في كاتدرائية السيدة العذراء مريم وماريوحنا الرسول بحضور محافظ الشرقية الأستاذ الدكتور ممدوح غراب، والقيادات التنفيذية بالمحافظة, رئيس جامعة الزقازيق الأستاذ الدكتور عثمان شعلان ونواب رئيس الجامعة وعمداء الكليات ولفيف من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، كذلك كثير من نواب مجلسي النواب والشيوخ بالمحافظة.

 

وفي اليوم الثالث تمت إقامة الأحتفالية بقاعة الأحتفالات الكبرى بجامعة الزقازيق بحضور نيافة الأنبا تيموثاؤس ووفد من الأباء الكهنة، والأراخنة، وكذلك عمداء وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة.