تاملات في قراءات الاحد السادس من الصوم الكبير  

القديس يوحنا الحبيب ذكر سبع معجزات في بشارته واحداها هذه المعجزه العظيمه التي تؤكد ان السيد المسيح له المجد هو الخالق،معجزه لانسان اعمى منذ ولادته قصته اخذت اصحاح كامل من انجيل يوحنا ( الاصحاح التاسع). اراد السيد المسيح ان يقدم وسيله ايضاح انه الله الخالق المتجسد ولذلك خلق عينين لم يكن لهما وجود من قبل وادرك الفريسيين هذه الحقيقه فحاوروا الاعمى كثيرا بل واستدعوا والديه واخذوا يحاورونهم لعلهما ينكرا هذه المعجزه التي كان يتمنى الفريسيون لو لم تحدث.

انها عمل الهي ظل محفورا في ذاكره اليهود حتى انه عندما تعرض لعازر للموت قال بعض اليهود :- وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ:«أَلَمْ يَقْدِرْ هذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هذَا أَيْضًا لاَ يَمُوتُ؟». إنجيل يوحنا37:11

 فالله الاب خلق العالم كله بالابن خلق العالم بعقله بفهمه بمعرفته بكلمته اي الاقنوم الثاني …… كل شيء به كان بغيره لم يكن شيئا مما كان بروحه القدوس. خلق السيد المسيح للمولود اعمى عينين لم تكن موجودتين خلقهم من الطين مثلما خلق الانسان الاول….. عجبا فالطين الذي يضعونه فى عينى البصير فيتاذى، في يد السيد المسيح خلق عينان. ويزيد هذه المعجزه قوه ان الاغتسال بالماء يزيب الطين ولكن هنا على العكس امكن هنا ان يثبت الطين العينين في المحجرين ويربط هما بشرايين واورده واعصاب وانسجه.

معجزه خلق مثل معجزه تحويل الماء الى خمر(يوحنا٢) مكونات جديده خلقت. ومعجزتين الاشباع الجموع خلق وتضاعف السمك والخبز ( لوقا ٩)

التلاميذ اتهموا المولود اعمى(أأخطا هذا ام ابواه؟) فكان السيد المسيح واضحا:-لا هذا اخطا ولا ابواه لكن لتظهر اعمال الله في. وحينما قال للمولود اعمى اذهب واغتسل في بركه سلوام ليعلن ان الشفاء يبدأ بالاغتسال والاغتسال هو فعل التوبه وحينما اتى بصيرا،تعجب الكل وارتجت اورشليم لهذا الاعجاز وقام الفريسيين بالتحقيق معه ومع ابواه واخيرا شتموه واخرجوه خارجا لانهم فقدوا البصيره الظلمة لا تطيق

النور لانه يبددها.

 يقول القديس يعقوب السروجي:-   شمس البر راى انسان يحيا في الظلام فاشتاق ان شعاع من شمس البر يشرق في داخله.

لقد تطورت معرفه المولود اعمى بالسيد المسيح. اولا قال انسان يقال له يسوع،ثم قال ارى انه نبي واخيرا حينما سئل اتؤمن بابن الله قال اؤمن وتحول هذا الايمان الى عباده فسجد للسيد المسيح وهكذا افتتحت بصيرته الداخليه وراى ورأى بقلبه بعد ان راه بعينيه.

هذا الانسان البسيط سار في النور وامن بالنور فصار ابنا للنور. وهنا نتوقف امام صفات جميله لهذا الانسان الذي شفي.

كان له خلفيه دينيه قويه،رغم بساطته فهو كامل السن اي سنه جاوز الثلاثين عاما. ظهر ذلك حينما قال:-منذ الدهر لم يسمع ان احد فتح عيني مولود اعمى. لو لم يكن هذا الانسان من الله لم يقدر ان يفتح عيني. نعلم ان الله لا يسمع للخطاه ولكن ان كان احد يتقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع.

 سمع واطاع :- فحينما قال له السيد المسيح ( اذهب واغتسل ) أطاع فتمتع بنور المسيح بعد ظلام طويل واصبح ينظر الناس على حقيقتهم.

 جريء شجاع محب للحق:-فهو يشهد المسيح امام مجلس يعلم ان اغلبه ضد المسيح وكان جزاؤه الشتم والطرد.

 ايمانه قوي بسيط:- حينما قال اؤمن يا سيد وعبر عن ايمانه بالسجود.

لا يدين احدا :- ظهر ذلك حينما قال أخاطىء هو لست اعلم.

ان عطية الصوم لنا :- ان اعيننا تتفتح وتكشف حقيقة المخلص. كما قال بولس الرسول :- أَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا. الرسالة الأولى إلى كورنثوس7:5 . ومن اضيئت نفسه بمعرفه المسيح المخلص بالمعموديه وفعل التوبه تزداد يوما بعد يوم بصيرته الروحيه وبعد دخول النور الالهي للنفس وباستنارتها بحب المسيح لا يستطيع الانسان قبول ظلام الخطيه. وبقدر النمو الانسان في الحياه مع الله تضيء نفسه. فالحواس الداخليه توجه الحواس الخارجيه لذلك لابد اولا :-  نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ  إنجيل متى26:23

هذا هو إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ . رسالة بطرس الأولى4:3

وكما قال بولس الرسول :- لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا. الرسالة الثانية إلى كورنثوس16:4

وحينما نقول في القداس:- اين هي قلوبكم؟ ينتبه الجميع لحفظ القلب واعماق كيانه فحفظ القلب يعني جوهر الانسان الداخلي افكاره مشاعره ارادته اختياراته التي تشكل هويته مولود فينا( الروح القدس(بالمعموديه يتجدد يوما فيوما وينمو في الايمان في القداسه في الفضائل في عمل التوبه بممارسه اسرار النعمه ) وسائط النعمه) هذه هي الخليقه الجديده .

لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ، الرسالة إلى أفسس16:3

 كما نقول قلبا نقيا اخلق فيه يا الله وروحا مستقيما جدده في احشائي

عند زياره الانبا انطونيوس الى القديس ديدموس الضرير مدير مدرسه الاسكندريه اللاهوتيه قال له:- لا تحزن لانك فقدت احد الحواس التي اشترك فيها الحيوان والطيور والحشرات مع الانسان،لكن الله وهب لك بصيرة روحية لا توجد عند كثير من البشر.

ختاما لنصلي معا قائلين :- يا الهنا اعطينا البصيره الروحيه النورانيه فلا نريد لعقولنا او معرفتنا او ذواتنا ان يكونوا عوائق تمنعنا عنك،فنحن لا نريد ان نكون فريسيين يدعون الابصار بل عميان يريدوا ان يبصروا واثقين في الهنا نور العالم الوحيد.

القمص / مكسيموس اسكندر

كنيسة الأنبا تكلا هيمانوت